سورة المائدة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)}
قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ}. قيل: هو الميثاق الذي في قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172]، قاله مجاهد وغيره. ونحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الصادق به، فيجوز أن نؤمر بالوفاء به.
وقيل: هو خطاب لليهود بحفظ ما أخذ عليهم في التوراة، والذي عليه الجمهور من المفسرين كابن عباس والسدي هو العهد والميثاق الذي جرى لهم مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة في المنشط والمكره إذ قالوا: سمعنا وأطعنا، كما جرى ليلة العقبة وتحت الشجرة، وأضافه تعالى إلى نفسه كما قال: {إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: 10] فبايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم، وأن يرحل إليهم هو وأصحابه، وكان أول من بايعه البراء بن معرور، وكان له في تلك الليلة المقام المحمود في التوثق لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والشد لعقد أمره، وهو القائل: والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر. الخبر المشهور في سيرة ابن إسحاق. ويأتي ذكر بيعة الرضوان في موضعها. وقد اتصل هذا بقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فوفوا بما قالوا، جزاهم الله تعالى عن نبيهم وعن الإسلام خيرا، ورضي الله عنهم وأرضاهم. {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي في مخالفته أنه عالم بكل شي.


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ} الآية تقدم معناها في النساء. والمعنى: أتمم عليكم نعمتي فكونوا قوامين لله، أي لأجل ثواب الله، فقوموا بحقه، وأشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم، وحيف على أعدائكم. {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق.
وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه، لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه. ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك، فليس لنا أن نقتلهم بمثله قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم، وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة، هذا معنى الآية. وتقدم في صدر هذه السورة معنى قوله: {لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ}. وقرئ {ولا يجرمنكم} قال الكسائي: هما لغتان.
وقال الزجاج: معنى: {لا يجرمنكم} لا يدخلنكم في الجرم، كما تقول: آثمني أي أدخلني في الإثم. ومعنى: {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} أي لان تتقوا الله.
وقيل: لان تتقوا النار. ومعنى: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} أي قال الله في حق المؤمنين: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} أي لا تعرف كنهه أفهام الخلق، كما قال: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]. وإذا قال الله تعالى: {أَجْرٌ عَظِيمٌ} و{أَجْرٍ كَرِيمٍ} [يس: 11] و{أَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 11] فمن ذا الذي يقدر قدره؟. ولما كان الوعد من قبيل القول حسن إدخال اللام في قوله: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} وهو في موضع نصب، لأنه وقع موقع الموعود به، على معنى وعدهم أن لهم مغفرة أو وعدهم مغفرة إلا أن الجملة وقعت موقع المفرد، كما قال الشاعر:
وجدنا الصالحين لهم جزاء *** وجنات وعينا سلسبيلا
وموضع الجملة نصب، ولذلك عطف عليها بالنصب.
وقيل: هو في موضع رفع على أن يكون الموعود به محذوفا، على تقدير لهم مغفرة واجر عظيم فيما وعدهم به. وهذا المعنى عن الحسن. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} نزلت في بني النضير.
وقيل: في جميع الكفار.


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} قال جماعة: نزلت بسبب فعل الأعرابي في غزوة ذات الرقاع حين اخترط سيف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: من يعصمك مني يا محمد؟ كما تقدم في النساء.
وفي البخاري: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعاقبه. وذكر الواقدي وابن أبي حاتم أنه أسلم. وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق شجرة حتى مات.
وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث ابن الحارث بالغين منقوطة مفتوحة وسكون الواو بعدها راء وثاء مثلثة وقد ضم بعضهم الغين، والأول أصح.
وذكر أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وأبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي أن اسمه دعثور بن الحارث، وذكر أنه أسلم كما تقدم. وذكر محمد بن إسحاق أن اسمه عمرو بن جحاش وهو أخو بني النضير. وذكر بعضهم أن قصة عمرو بن جحاش في غير هذه القصة. والله أعلم.
وقال قتادة ومجاهد وغيرهما: نزلت في قوم من اليهود جاءهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعينهم في دية فهموا بقتله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الله فمنعه الله منهم. قال القشيري: وقد تنزل الآية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لادكار ما سبق. {أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} أي بالسوء {فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} أي منعهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8